
يحتفل الأزهر الشريف اليوم، الجمعة السابع من شهر رمضان المبارك، بمرور 1085 عامًا هجريًا على تأسيس الجامع الأزهر، ويعد هذا الصرح من أقدم الجامعات العالمية المتكاملة، ومن أبرز المساجد في مصر والعالم الإسلامي.
وعلى مر القرون، استقبلت أروقته الملايين من طلاب العلم ومعلميه، مما جعله قبلة للعلم ومنارة للوسطية الإسلامية.
نشأة الجامع الأزهر
تأسس الجامع الأزهر على يد القائد جوهر الصقلي بأمر من الخليفة الفاطمي المعز لدين الله في 24 جمادى الأولى 359 هـ(4 أبريل 970م)، بعد عام من تأسيس مدينة القاهرة.
واستغرق بناؤه نحو 27 شهرًا، وافتُتح للصلاة في 7 رمضان 361هـ (21 يونيو 972م)، سُمّي بالأزهر نسبة إلى السيدة فاطمة الزهراء، ابنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وزوجة الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، التي ينتسب إليها الفاطميون.
تطور الجامع الأزهر عبر العصور
العصر الأيوبي: بعد زوال الدولة الفاطمية عام 567هـ (1171م)، عطّل السلطان صلاح الدين الأيوبي صلاة الجمعة في الأزهر، وأنشأ مدارس سنية للقضاء على المذهب الشيعي، أعاد بذلك مصر إلى المذهب السني، وانتهت علاقة الأزهر بالمذهب الشيعي.
العصر المملوكي: شهد الأزهر نهضة كبيرة؛ أُعيدت فيه صلاة الجمعة عام 665هـ (1267م)، واهتم السلاطين المماليك بتعزيز دوره العلمي وفق المذاهب السنية الأربعة، أصبح الأزهر المركز الرئيسي للدراسات السنية في العالم الإسلامي، خاصة بعد سقوط بغداد وتراجع الحكم الإسلامي في الأندلس وشمال إفريقيا. تنوعت العلوم التي دُرّست فيه، وتم إنشاء مدارس ملحقة به، مثل الطيبرسية والآقبغاوية والجوهرية، مما أثرى الحركة العلمية، كما ظهرت الأروقة كمساكن للطلاب الوافدين والمصريين.
العصر العثماني: حافظ الأزهر على قوته وتقاليده خلال الحكم العثماني (923-1213هـ / 1517-1798م)، استمر في أداء رسالته التعليمية والدينية، وظل موطنًا للدراسات الدينية وملاذًا للغة العربية، وتوافد عليه طلاب العلم من مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وبرز فيه منصب شيخ الأزهر.
عمارة الجامع الأزهر عبر العصور
حظي الجامع الأزهر باهتمام الخلفاء والسلاطين والحكام بعمارته منذ نشأته وحتى اليوم، خاصة في العصر المملوكي، حيث شهد عمليات توسعة وترميم متعددة، وكان آخرها الترميم الشامل الذي انتهى عام 1439هـ (2018م)، واستمر نحو ثلاث سنوات، وتبلغ مساحة الجامع حوالي 12 ألف متر مربع.
التاريخ التعليمي للأزهر
يعتبر الجامع الأزهر أقدم جامعة متكاملة الأركان في العالم، حيث يضم أعضاء هيئة تدريس في مختلف التخصصات والمذاهب الفقهية، وطلابًا من شتى بقاع العالم، وكتبًا دراسية، ومكتبات عامة، ومسكنًا جامعيًا يوفر كافة سُبل الإعاشة بالمجان، لم يقتصر عطاؤه على علوم الشريعة واللغة، بل امتد ليشمل العلوم الدنيوية التي تفيد الإنسانية جمعاء.
في بداياته، كانت الدراسة في الأزهر تتم بشكل فطري دون تقنين أو تعقيد. لم تكن هناك امتحانات أو شهادات، بل كان الطالب يتردد على من يشاء من الأساتذة، ينهل من علمهم ما أراد من السنين، كانت العلوم التي تُدرّس في الأزهر تربو على عشرين علمًا، مثل: الفقه، أصول الفقه، التفسير، الحديث، التوحيد، الفلسفة، التصوف، النحو، الصرف، المنطق، وغيرها.
أروقة الأزهر
ظل الأزهر على مدار تاريخه يفتح أبوابه للعلماء والطلاب من داخل مصر وخارجها دون تمييز، مما جعله قبلة علمية للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وتفرد عن غيره من الجامعات الإسلامية بعالمية رسالته، كونه المنبع الأصيل للعلوم الإسلامية والعربية والعقلية، وموطنًا دائمًا لطلاب العلم من جميع أنحاء العالم الإسلامي.
من التقاليد الراسخة في تاريخ الأزهر أنه أفرد لكل جنسية أو إقليم من طلابه “رِواقًا” يقيمون فيه إقامة دائمة بالمجان طوال سنوات تحصيلهم العلمي، وكانت هذه الأروقة توفر للطلاب الإعاشة الكاملة، طعامًا وإقامة وكسوة وجرايات ومرتبات ومخصصات أخرى، تكريمًا وراحةً لهم، وتعد أروقة الأزهر رمزًا تاريخيًا وحضاريًا يشهد بعالميته ودوره العلمي والاجتماعي على مر العصور.

أروقة الوافدين
1. رواق الأتراك: مخصص لأبناء الجنس التركي الوافدين من آسيا وأوروبا وبعض جزر البحر المتوسط.
2. رواق الشوام: مخصص للوافدين من بلاد الشام (سوريا، فلسطين، لبنان، الأردن).
3. رواق الحرمين: مخصص للوافدين من بلاد الحرمين الشريفين.
4. رواق اليمنية: مخصص للطلاب الوافدين من اليمن.
5. رواق الأكراد: مخصص للطلاب الأكراد السنة الوافدين من شمال العراق وبلاد الشام والأناضول.
6. رواق البغدادية (البغادة): يستقبل الوافدين من العراق والبحرين والكويت.
7. رواق السليمانية: يقبل الطلاب الوافدين من أفغانستان.
8. رواق الهنود: مخصص للطلاب الوافدين من الهند.
9. رواق الجاوة (الجاوية): مخصص للوافدين من إندونيسيا والفلبين وماليزيا.
10. رواق المغاربة: من أوائل الأروقة التي أُنشئت في الأزهر، وكان مخصصًا للطلاب من المغرب (طرابلس، تونس، الجزائر، مراكش) ومالكيي المذهب.
11. رواق السنارية: مخصص للطلاب الوافدين من إقليم سنار في السودان.
12. رواق الدكارنة دارفور: مخصص للوافدين من بلاد دارفور وسنار وتكرور.
13. رواق دكارنة صليح: مخصص للوافدين من منطقة تشاد والبلاد المجاورة لها بوسط إفريقيا.
14. رواق البرابرة: مخصص للطلاب الوافدين من موريتانيا وما جاورها.
15. رواق الجبرت: مخصص للوافدين من الحبشة وسواحل البحر الأحمر.
16. رواق الجبرت: مخصص للوافدين من الحبشة وسواحل البحر الأحمر.
17. رواق الفلاتة: يستقبل الطلاب القادمين من غرب إفريقيا، مثل نيجيريا والنيجر ومالي والسنغال.
18. رواق الزرافية: كان مخصصًا لبعض القبائل الإفريقية المسلمة، خاصة من السودان وتشاد.
19. رواق الصعايدة: للطلاب المصريين من الصعيد.
20. رواق البحاروة: للطلاب المصريين من الوجه البحري.
الأزهر في العصر الحديث
مع تطور الأزمنة، لم يقتصر دور الأزهر على كونه جامعًا ومسجدًا فقط، بل تحول إلى مؤسسة تعليمية متكاملة، تخدم الأمة الإسلامية والعربية علميًا وثقافيًا.
في عام 1872م، صدرت أول لائحة لتنظيم الدراسة والامتحانات بالأزهر، وهيأت الطريق لتحوله إلى مؤسسة جامعية حديثة.
وفي عام 1930م، أُنشئت الكليات الأزهرية، مثل كلية أصول الدين، والشريعة، واللغة العربية.
وفي عام 1961م، أُدخلت العلوم الحديثة إلى مناهج الأزهر، وتم إنشاء كليات علمية مثل الطب، والهندسة، والصيدلة، والزراعة.
يضم الأزهر اليوم أكثر من 80 كلية في مختلف التخصصات، وأكثر من 4000 معهد أزهري على مستوى الجمهورية، بالإضافة إلى بعثاته التعليمية في مختلف دول العالم.
الأزهر منارة للوسطية الإسلامية
وعلى مدار تاريخه، كان الأزهر حصنًا للوسطية الإسلامية، لا ينحاز لأي تيار متشدد أو متطرف، بل يرسّخ مبادئ الاعتدال والوسطية، قام الأزهر بأدوار بارزة في محاربة الأفكار المتطرفة، ونشر الإسلام السمح القائم على التسامح والتعايش.
كما كان للأزهر دور رئيسي في القضايا الوطنية، حيث قاد مقاومة الاحتلال الفرنسي والبريطاني، وكان مشايخه في طليعة الثورات الشعبية، مثل ثورة 1919 التي قادها الشيخ محمد مصطفى المراغي.
اقرأ المزيد: الجامع الأزهر في عام 2024.. مصدر إشعاع توعوي وفكري وثقافي لا يخفت