ذكرى رحيل أم كلثوم، عندما يلتقي الفن بالمقاومة والوطنية

تحل علينا اليوم الإثنين ذكرى رحيل أم كلثوم، ففي الثالث من فبراير 1975 فقدت الأمة العربية أحد أعظم رموزها الفنية، كوكب الشرق أم كلثوم، التي رحلت عن عالمنا بعد رحلة فنية استمرت لعقود.

ورغم مرور خمسين عامًا على رحيلها، يبقى صوتها، وصورتها، وإرثها الفني خالدًا في ذاكرة الأجيال، ما يجعل ذكرى وفاتها مناسبة لا تقتصر على الحزن، بل على الاحتفاء بعطائها اللامحدود.

بداية رحلة نجاح أم كلثوم

ولدت فاطمة إبراهيم السيد البلتاجي، التي اشتهرت فيما بعد باسم أم كلثوم، في 31 ديسمبر 1898 في قرية طماي الزهايرة بمحافظة الدقهلية، ونشأت في أسرة متواضعة كان والدها إمامًا للمسجد، ما أكسبها بيئة دينية غرس فيها حب الفن والموسيقى.

ومنذ سن مبكرة، ظهرت موهبتها في الغناء، وتعلمت الإنشاد الديني من والدها، حتى بدأ صوتها الرائع يلفت الأنظار في قريتها الصغيرة، ليتسارع صيتها ويصل إلى المدن الكبرى.

أم كلثوم

الانتقال إلى القاهرة وبداية النجومية

سافرت أم كلثوم إلى القاهرة في سن المراهقة، حيث بدأت تتلقى تعليمًا موسيقيًا من كبار الأساتذة، مثل الشيخ أبو العلا محمد، ورياض السنباطي، وبحلول عشرينيات القرن الماضي، بدأت تتألق في مجال الغناء الشعبي وتُعرف بـ “كوكب الشرق”، وتوالت نجاحاتها مع تقديم العديد من الأغاني الخالدة التي أصبحت جزءًا من التراث الفني العربي.

ومن أشهر هذه الأغاني “أنت عمري”، “سيرة الحب”، و”الأطلال”، التي غنتها بأدائها الفريد وصوتها القوي والعاطفي.

رحلة مع كبار الشعراء والملحنين

لم تقتصر أعمال أم كلثوم على الغناء فقط، بل تعاونت مع أبرز الشعراء والملحنين في العالم العربي، مثل أحمد رامي، إبراهيم ناجي، ومحمد عبد الوهاب، فمن خلال هذه التعاونات، تمكنت من تقديم أغانٍ ذات عمق ثقافي وفني، تحمل في طياتها رسائل سياسية، اجتماعية، وعاطفية تلامس قلوب الناس.

وكانت أغنياتها بمثابة مرآة لعصرها، إذ تناولت مواضيع الحب، الفقد، والوطن، مما جعلها رمزًا للتعبير الفني الأصيل.

بالإضافة إلى موهبتها الفائقة، كانت أم كلثوم شخصية قوية ذات إرادة لا تلين، لم تكتفي بالصوت فقط، بل كرست حياتها للتدريب المستمر والتطور الفني، وهو ما جعلها واحدة من أكثر الفنانين تقديرًا في العالم العربي.

وتؤكد الكثير من المقابلات والتسجيلات التي أجرتها أم كلثوم أنها كانت تؤمن بأن الموهبة بحاجة إلى جهد وإصرار لتحقيق النجاح.

لم تقتصر إبداعاتها على الموسيقى فقط، بل كانت محبة للقراءة والشعر، وهو ما انعكس في اختياراتها الدقيقة لكلمات أغانيها، كما كانت أم كلثوم ترفض تقليد الآخرين، وتحرص على تقديم فن أصيل يعكس هويتها المصرية.

ذكرى رحيل أم كلثوم
أم كلثوم

حب الوطن

كان حب أم كلثوم لمصر لا يتوقف عند أغانيها فقط. ففي عام 1967، بعد نكسة يونيو، أقامت حفلتين في باريس لصالح المجهود الحربي، وتبرعت بكل عائدات الحفلات لصالح جيش بلادها، في تعبير صادق عن دعمها للوطن في وقتٍ عصيب.

إرث خالد بعد نصف قرن

رغم أن أم كلثوم توفيت في الثالث من فبراير 1975، إلا أن صوتها ظل حيًا عبر الأجيال، إذ لا تزال أغانيها تُسمع وتُعزف في كافة أنحاء العالم العربي، فعشرات الأغاني التي لا تزال تحظى بشعبية ضخمة، مثل “فات الميعاد”، “أمل حياتي”، و”ليلة حب”، باتت جزءًا من هوية الموسيقى العربية الأصيلة.

في الذكرى الخمسين لرحيلها، تعلن مصر عن “عام أم كلثوم” في 2025، وهو احتفاء رسمي يكرم هذه الأسطورة ويجسد الدور الذي لعبته في إثراء الثقافة العربية، وتستمر أم كلثوم في أن تكون مرجعية فنية، ليس فقط للمطربين والموسيقيين، بل لكل من يسعى إلى التميز والإبداع في مجاله.

أم كلثوم

علاقة أم كلثوم بالجماهير

كان الحضور الجماهيري لحفلات أم كلثوم استثنائيًا، حيث كانت حفلاتها تعد حدثًا ثقافيًا كبيرًا ينتظره الناس من كافة الأعمار، وكانت حفلاتها تمتلئ بالمشاعر الصادقة، وعند أداء أغنياتها، كان الحضور يعيشون لحظات من الانفعال العاطفي، وكأن كل كلمة تُغنى تصف أعمق مشاعرهم.


مرض ووفاة أم كلثوم

تأثرت أم كلثوم صحيًا في أواخر حياتها نتيجة إصابتها بمرض “جريفز”، الذي تسبب في جحوظ عينيها، ورغم ذلك، لم تتوقف عن الغناء أو التفاعل مع جمهورها. في عام 1973، وغنت آخر أغنياتها “حكم علينا الهوى”، التي كانت من ألحان بليغ حمدي، وهي من أعظم أعمالها في السنوات الأخيرة، لكن المرض أنهاها في 3 فبراير 1975، لتترك وراءها إرثًا فنيًا عظيمًا لم يتوقف.

اقرأ أيضًا: الوطنية للإعلام تكرم أسرة مسلسل أم كلثوم وتحيي الذكري الـ 50 لكوكب الشرق

. .0f1c

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *